سورة مريم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{كهيعص} قال السدي: هو اسم الله الأعظم، وقيل: هو اسم للسورة. قرأ علي ويحيى بكسر الهاء والياء، ونافع بين الفتح والكسر وإلى الفتح أقرب، وأبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء، وحمزة بعكسه، وغيرهم بفتحهما {ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبّكَ} خبر مبتدأ أي هذا ذكر {عَبْدَهِ} مفعول الرحمة {زَكَرِيَّا} بالقصر: حمزة وعلي وحفص وهو بدل من {عبده} {إِذْ} ظرف للرحمة {نادى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً} دعاه دعاء سرا كما هو المأمور به وهو أبعد عن الرياء وأقرب إلى الصفاء، أو أخفاه لئلا يلام على طلب الولد في أوان الكبر لأنه كان ابن خمس وسبعين أو ثمانين سنة {قَالَ رَبّ} هذا تفسير الدعاء وأصله (يا ربي) فحذف حرف النداء والمضاف إليه اختصاراً {إِنّى وَهَنَ العظم مِنّى} ضعف. وخص العظم لأنه عمود البدن وبه قوامه فإذا وهن تداعى وتساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا وهن كان ما وراءه أوهن، ووحده لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية والمراد أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام وأشد ما تركب منه الجسد قد أصابه الوهن،
{واشتعل الرأس شَيْباً} تمييز أي فشا في رأسي الشيب واشتعلت النار إذا تفرقت في التهابها وصارت شعلاً، فشبه الشيب بشواظ النار في بياضه وانتشاره في الشعر وأخذه منه كل مأخذ باشتعال النار. ولا ترى كلاماً أفصح من هذا، ألا ترى أن أصل الكلام يا رب قد شخت إذ الشيخوخة تشتمل على ضعف البدن وشيب الرأس المتعرض لهما، وأقوى منه ضعف بدني وشاب رأسي ففيه مزيد التقرير للتفصيل، وأقوى منه وهنت عظام بدني، ففيه عدول عن التصريح إلى الكناية فهي أبلغ منه، وأقوى منه أنا وهنت عظام بدني، وأقوى منه إني وهنت عظام بدني، وأقوى منه إني وهنت العظام من بدني ففيه سلوك طريقي الإجمال والتفصيل، وأقوى منه إني وهنت العظام مني ففيه ترك توسيط البدن، وأقوى منه {إني وهن العظم مني} لشمول الوهن العظام فرداً فرداً باعتبار ترك جمع العظم إلى الإفراد لصحه حصول وهن المجموع بالبعض دون كل فرد فرد، ولهذا تركت الحقيقة في شاب رأسي إلى أبلغ وهي الاستعارة فحصل اشتعل شيب رأسي، وأبلغ منه اشتعل رأسي شيباً لإسناد الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو الرأس لإفادة شمول الاشتعال الرأس إذ وزان اشتعل شيب رأسي واشتعل رأسي شيباً، وزان اشتعل النار في بيتي واشتعل بيتي ناراً والفرق نير، ولأن فيه الإجمال والتفصيل كما عرف في طريق التمييز، وأبلغ منه واشتعل الرأس مني شيباً لما مر، وأبلغ منه {واشتعل الرأس شيباً} ففيه اكتفاء بعلم المخاطب إنه رأس زكريا بقرينة العطف على {وهن العظم} {وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ} مصدر مضاف إلى المفعول أي بدعائي إياك {رَبّ شَقِيّاً} أي كنت مستجاب الدعوة قبل اليوم سعيداً به غير شقي فيه. يقال: سعد فلان بحاجته إذا ظفر بها وشقي إذا خاب ولم ينلها. وعن بعضهم أن محتاجاً سأله وقال: أنا الذي أحسنت إلي وقت كذا فقال: مرحباً بمن توسل بنا إلينا وقت حاجته وقضى حاجته.


{وَإِنّي خِفْتُ الموالى} هم عصبته أخوته وبنو عمه وكانوا شرار بني إسرائيل فخافهم أن يغيروا الدين وأن لا يحسنوا الخلافة على أمته فطلب عقباً صالحاً من صلبه يقتدي به في إحياء الدين {مِن وَرَائِى} بعد موتي، وبالقصر وفتح الياء ك {هداي}: مكى. وهذا الظرف لا يتعلق ب {خفت} لأن وجود خوفه بعد موته لا يتصور ولكن بمحذوف، أو بمعنى الولاية في الموالي أي خفت فعل الموالي وهو تبديلهم وسوء خلافتهم من ورائي، أو خفت الذين يلون الأمر من ورائي {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِرًا} عقيماً لا تلد {فَهَبْ لِى مِن لَّدُنْكَ} اختراعا منك بلا سبب لأن امرأتي لا تصلح للولادة {وَلِيّاً} ابنا يلي أمرك بعدي.


{يَرِثُنِى وَيَرِثُ} برفعهما صفة ل {ولياً} أي هب لي ولداً وارثاً مني العلم ومن آل يعقوب النبوة، ومعنى وراثة النبوة أنه يصلح لأن يوحى إليه ولم يرد أن نفس النبوة تورث. ويجزمهما: أبو عمرو وعلي على أنه جواب للدعاء يقال: ورثته وورثت منه {مِنْ ءالِ يَعْقُوبَ} يعقوب بن إسحاق {واجعله رَبّ رَضِيّاً} مرضياً ترضاه أو راضياً عنك وبحكمك فأجاب الله تعالى دعاءه وقال: {يازكريا إِنَّا نُبَشّرُكَ بغلام اسمه يحيى} تولى الله تسميته تشريفاً له. {نبشرك} بالتخفيف: حمزة {لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً} لم يسم أحد بيحيى قبله وهذا دليل على أن الاسم الغريب جدير بالأثرة. وقيل: مثلاً وشبيها ولم يكن له مثل في أنه لم يعص ولم يهم بمعصية قط وأنه ولد بين شيخ وعجوز وأنه كان حصوراً، فلما بشرته الملائكة به {قَالَ رَبّ أنّى} كيف {يَكُونُ لِي غلام} وليس هذا باستبعاد بل هو استكشاف أنه بأي طريق يكون أيوهب له وهو وامرأته بتلك الحال أم يحولان شابين {وَكَانَتِ امرأتى عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الكبر عِتِيّاً} أي بلغت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود اليابس من أجل الكبر والطعن في السن العالية {عتياً} و{صلياً} و{جثياً} و{بكياً} بكسر الأوائل: حمزة وعلي وحفص إلا في {بكيا}.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8